دار أزهى للنشر

أحمد شلتوت يستثمر «كورونا» بإصدار “العُزلة ليست هي الوحدة”

استغل كتَّاب وأدباء كثر حول العالم جائحة “كورونا”، وما فرضته من حالة عزلة، في إنتاج أعمال إبداعية مهمة، ومن بين هؤلاء كان الأديب والناقد المصري أحمد رجب شلتوت، الذي استثمر أوقات العزلة في الكتابة، التي أثمرت صدور كتابه الأحدث “العزلة ليست هي الوحدة”، ويشارك به في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

“يمثل وباء كورونا الديستوبيا في أنصع تجلياتها، ففجأة وجدت البشرية نفسها في كابوس، طوفان عارم يجرفها باتجاه نهاية تبدو كأنها حتمية، ولا نجاة منه إلا بإحكام العزلة، ويا لها من مفارقة، يمسك الفيروس بتلابيب البشر كلهم في شمال العالم وجنوبه، في شرقه وغربه، يجمعهم في قبضته، وفي نفس الوقت يجبرهم على العزلة، يُلزمهم بأن يحيا كل منهم بمفرده، من دون أن يكون وحيداً، فالعزلة – حتى إن لم تكن خياراً شخصياً – لا تعني الوحدة، إذ الوحدة شعور مؤلم، يعني افتقاد (الونس)، والحاجة إلى شريك، وأنك مقطوع عن الآخرين، أو رافض لهم أو مشغول عنهم، فالوحدة كما يقول أستاذ التاريخ الاجتماعي ديفيد فنسنت في دراسته عن تاريخ العزلة، هي عزلة فاشلة”.

هكذا يبدأ شلتوت تقديمه لأحدث كتبه، الذي صدر حديثاً بالقاهرة عن “دار وكالة الصحافة العربية – ناشرون”، منطلقاً من تلك المفارقة الدالة، ليؤكد أن العزلة قد تكون إيجابية، خصوصا بالنسبة إلى الإنسان المثقف والمبدع، وقد تبدو سجناً بالنسبة إلى الإنسان العادي، إذ تجسِّد له الحرمان في أجلى معانيه، أما إذا كان المضطر إلى العزلة محباً للقراءة معتاداً عليها فسيجد في سجنه متنفساً تتيحه الكتب، أما عزلة المبدع فهي ليست كذلك، تكون فرصة للافراد بالذات، والحوار معها.

يقول الكاتب إن العزلة منحته فائضاً من الوقت، يجعله يطيل من حواره مع الذات بالتأمل والمراجعة، ومع الآخرين بقراءة كتب تراكم بعضها على أرفف مكتبته، أو في ملفات على حاسوبه، هكذا لم تكن عزلته فاشلة، فلم يشعر بالوحدة، بل أقام حواراً طويلاً مع الكتب ومؤلفيها، واختار لكتابه أربعين قراءة تمثل بعض ثمار العزلة التي اعتبرها ناجحة إلى حد ما.

توزعت الكتب بين الأدب والفن والفكر، وتوضح انشغالات الكاتب واهتماماته، وقد أولى يوميات ومراسلات الكتاب أهمية خاصة، فمثلاً يقول عن رسائل دوستويفسكي إنها لا تخلو من قيمة تاريخية خاصة بما تتيحه من معلومات عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي كانت تحيط به والمصاعب التي كان يكتب تحت ضغطها.

ويلاحظ الكاتب أن الرسائل الموجهة إلى زوجته تختلف عن رسائله للآخرين بقدر ما تتشابه في بنيتها.

أما إرنست هيمنغواي فقد كان مدركاً تماماً الفارق بين كتابة الأديب عن ذاته وتعريته لذاته في اليوميات والرسائل، وكان مدركاً الفارق بين أن يكتب عن نفسه كما في “وليمة متنقلة”، وأن يبوح بمكنون النفس في رسالة لصديق أو حبيبة، فكان حريصاً على أن تبقى خاصة بينه وبين المرسل إليه.

أما رسائل لوكاتش فتكشف عن تحوله من المثالية إلى الاغتراب، وتوضح ميله الدائم لمراجعة أفكاره، وقد طالت المراجعات كذلك أفكار لوكاتش ونظرياته عن الأدب والفن، فقد أدت التطورات الفكرية التي شهدتها أوروبا، وتأثر هو بها شخصياً، إلى انتقاله من النزعة الجمالية السائدة في أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين إلى تبني الفلسفة المثالية، كقطب معاكس لمذهب العقلانية العلمية.

وعن المشتركات المحتملة بين العلم والفن يعرض لكتاب “أينشتاين… بيكاسو… المكان والزمان والجمال الذي ينشر الفوضى”، حيث يجد مؤلفه آرثر آي ميللر بينهما توافقات ترتقي لتكون تشابهات غريبة وقابلة للتوثيق بين إبداع الرجلين، والحياة الشخصية والحياة العلمية لكل منهما، كذلك فالتناظرات بينهما خصوصاً في خلال أول 15 سنة في القرن العشرين تظهر بجلاء النقاط المشتركة في تفكيرهما، كما تبين طبيعة الإبداع العلمي والفني، بما يتيح الوقوف على الحدود المشتركة للفن والعلم. بل إن التشابهات والتباينات في الحياة الشخصية لكل من بيكاسو وأينشتاين، تعكس الوسط الفكري والاجتماعي الذي كان سائداً لكليهما في ذلك الوقت.

أما عالم النفس الأميركي، سكيب داين يونغ، ففي كتابه “السينما وعلم النفس: علاقة لا تنتهي”، يتعامل مع الأفلام على أنها رموز ذات معنى؛ يخلقها صُنَّاع الأفلام، ويستقبلها الجمهور، فهو يرى أن الأفلام نوافذ تطل على عالَم السلوك البشري أو مرايا عاكسة له، فيمكن عبر الاندماج في الأفلام، رؤية التطور الفردي أثناء حدوثه. هنا يُصبِح الفيلم مسرحاً تُعرَض عليه الكينونات النفسية.

أما الكتب التي تناولت الفن فعديدة، ومنها الكتاب الموسوعي الأشهر “قصة الفن” للباحث البريطاني الجنسية “إرنست جومبرتش”، فهو المرجع الرئيسي لمن يريد معرفة كيفية تطور فنون العالم.

أحمد الجمَّال

الجريدة

Shopping cart close