\”اقتباس\” أم \”سطو فني\”؟… البلاغات تحاصر الشاشات العربية

\"\"

بالكاد انتهى الموسم الرمضاني، حيث تفجرت على هامش الأعمال الدرامية المعروضة خلاله أسئلة واتهامات وجدل حول تشابه تيمات وأفكار بعض مسلسلاته مع أخرى عربية أو عالمية، كما حمل أيضاً لصناعه مشكلات بمستوى آخر، بعدما قرر البعض مقاضاة مسلسلات بحجة أنها لا تراعي \”القيم المجتمعية والدينية\”، ومع كل موسم فني جديد تكون الأزمات من تلك النوعية حاضرة، وبالطبع موسم عيد الفطر 2022 وما بعده ليس استثناء.

فالمشكلات التي باتت محفوظة تستكمل مسيرتها بنجاح، وتتنقل بين عمل وآخر، وبينها بالطبع سيناريو الاتهام بخدش الحياء العام، والترويج لأفكار يرفضها المجتمع، الذي أصبح معتاداً.

اقتباس أم سطو؟

نظرة بسيطة على عناوين الأنباء الفنية سنجد أن هناك إشكالات عدة متكررة، بينها البلاغات المقدمة ضد الأعمال المعروضة، وبالإضافة إلى أن \”الاقتباس\” بات \”سيد الموقف\”، فهما ظاهرتان تتجددان بشكل أساسي طوال العام.

وعلى الرغم من تعريب وتمصير بعض فورمات الأعمال الفنية الشهيرة، مثل مسلسل \”سوتس بالعربي\”، الأمر الذي يحدث بشكل قانوني ومتفق عليه، لكن لا تزال عادة توجيه الانتقاد في ما يتعلق بالاقتباس \”السطو\” من دون إشارة قائمة.

وللمفارقة أن الفيلم، الذي يتصدر إيرادات هذا الموسم، بمبلغ تجاوز الـ36 مليون جنيه مصري (ما يعادل مليوني دولار أميركي) خلال عشرة أيام فقط، يواجه الأزمتين معاً، ففيلم \”واحد تاني\” بطولة أحمد حلمي وإخراج محمد شاكر خضير وتأليف هيثم دبور، على الرغم من نجاحه الجماهيري، فلم يسلم من \”الأزمات البديهية\”، التي تعود عليها المناخ الفني المصري.

أحد المحامين قدم بلاغاً ضد الفيلم يتهمه \”بالترويج للمثلية، وخدش الحياء\” لما يتضمنه من إيحاءات، وطالب بوقف عرض الفيلم، بل وتقديم صناعه إلى المحاكمة.

وبات من المعتاد أن يبادر بعض المحامين إلى تقديم بلاغات للنائب العام من هذا النوع، وهنا يشدد الناقد الفني محمد عبد الرحمن على أنه \”ينبغي الانتباه قبل تداول أي معلومة في هذا الاتجاه\”، حيث يرى أن كثيراً من تلك البلاغات يكون الهدف منها تحقيق الشهرة بذكر وتداول أسماء من أعلنوا أنهم سيتقدمون بها، ووصفها بأنها بلاغات قد لا تكون حقيقية من الأصل، مشيراً إلى أنه من الأفضل أن يتم تجاهلها إعلامياً، كي لا تتضرر صناعة الفن بشكل عام.

عبد الرحمن لفت إلى أن عدداً لا بأس به من تلك البلاغات لا تخرج عن كونها تصريحات شفهية، إذ \”يعلن محامٍ ما أنه ينوي القيام بها\”، بينما الواقع أمر مختلف، وفي ما يتعلق بفيلم \”واحد تاني\” نفى الناقد الفني أن تتضمن مشاهده ما جاء في تلك الاتهامات.

بينما اكتفى الفنان أحمد حلمي بتأكيد سعادته بنجاح الفيلم في شباك التذاكر، مؤكداً في تصريحات متداولة له بأنه يعبر عن حالته النفسية في بعض الأوقات، وشدد الفنان محمود حافظ، أحد أبطال \”واحد تاني\”، على أن الضجة المثارة هدفها تشويه الفيلم، مشيراً إلى أنه لا يتضمن أي لقطات خادشة، وأنه مناسب للمشاهدة الأسرية.

بلاغات التريند

الأمر يبدو وكأنه إعادة لأزمات موسم شهر رمضان بحذافيرها، حيث لاحقت المسلسلات تهم مماثلة، وأبرز مثال ما حدث مع صناع \”فاتن أمل حربي\” لنيللي كريم وشريف سلامة، إذ اتهمهم أحد المحامين بازدراء الأديان وتشويه صورة رجال الدين، من خلال بيان للنائب العام.

لكن الشركة المنتجة \”العدل جروب\” سارعت بتقديم بلاغ مضاد يتهم المحامي بنشر أخبار كاذبة بهدف تكدير السلم العام، يبدو \”هجمة مرتدة\” قد تؤتي ثمارها كوسيلة للحد من انتشار تلك البلاغات، بالإضافة إلى أن العزوف عن نشر تفاصيل تلك القضايا قد يجعل تلك الظاهرة تتراجع تدريجياً أيضاً.

لم يسلم المسلسل أيضاً من تهم اقتباس بعض خطوطه الدرامية من أعمال عالمية، كذلك يجد صناع فيلم \”واحد تاني\” أنفسهم في مأزق مماثل، إذ تتوالى الاتهامات بأنه مقتبس من دون إشارة وبشكل غير قانوني من عدة أعمال عالمية، فتيمته الأساسية تعتمد على موظف يجد نفسه، مقارنة بأصدقائه القدامى، لم يحقق شيئاً وتبدو حياته رتيبة، وبناء على نصيحة أحدهم له يخضع لإجراء طبي يعيد له \”الشغف\”، وهو خط درامي سبق وقدمه ببراعة فيلم Limitless\”\”، الذي عرض عام 2011 من بطولة برادلي كوبر، حيث كانت النصيحة بأن يتناول حبوباً معينة لا تزال في طور التجريب لاستعادة طاقته للعمل والنجاح.

كذلك يعتمد \”واحد تاني\” على شخصيتين للبطل نفسه \”مصطفى وإكس\”، أحدها لديه روح المغامرة والآخر وقع في فخ الروتين، وهذا بدوره ملمح أساسي في فيلمJonathan\” \”، الذي عرض عام 2018، حيث كانت الشخصيتان توأماً، وتلك التيمة هي التي جعلت البعض يتهم الفيلم بأنه مقتبس كذلك من المسلسل الكوري Bad and Crazy\”\”، لكن الاتهام الأخير يمكن استبعاده بسهولة، نظراً إلى أن المسلسل عرض لأول مرة نهاية عام 2021 أي بعد انطلاق تصوير فيلم \”واحد تاني\” بالفعل.

شاشات التعريب

مناخ الاقتباس أصبح مسيطراً، ويأخذ أكثر من وجه في الموسم الأخير والمواسم المنتظرة أيضاً، فعلى الرغم من أن فيلم \”زومبي\” لعلي ربيع، هو عمل كوميدي بالأساس، لكنه يعتمد على فكرة بعيدة كل البعد من المجتمع العربي، فالموتى الأحياء أو الزومبي متقبلة للغاية في الأعمال العالمية، وتبدو مناسبة للبيئة والثقافة، وهي تنتمي لنوعية أفلام الرعب، واللجوء إليها لتكون خطاً رئيساً لفيلم عربي أمر غير مفهوم، خصوصاً في ظل امتلاء تراث المنطقة بحكايات كثيرة تنتمي لهذا العالم.

بخلاف ذلك، كان صناع مسلسل \”سوتس بالعربي\”، الذي تدور أحداثه في عالم المحاماة، قد أكدوا أنه لن يتم الاكتفاء بموسمه الأول، الذي عرض في رمضان 2022، وأن باقي مواسم العمل المأخوذ من المسلسل الأميركي الشهير سوف تعرض تباعاً، كما أن الشركة المنتجة تعاقدت رسمياً على حقوق تمصير مسلسل عالمي آخر.

اللجوء للتيمات العالمية في أعمال فنية عربية أصبح أمراً شائعاً للغاية، وتحقق بشكل قانوني في مسلسلات مثل \”زي الشمس وجراند أوتيل وهبة رجل الغراب وليالي أوجيني\”، كما أن فيلم \”أصحاب ولا أعز\”، الذي يعتبر أول أعمال \”نتفليكس\” في السينما العربية كان مأخوذاً أيضاً من فيلم إيطالي شهير قدم بدوره من خلال عدة نسخ ولغات متعددة، فقد أصبح الاقتباس من قصص أجنبية ثم تعريبها أمراً يسيراً على صناع الأفلام والمسلسلات في المنطقة، وعلى ما يبدو أن الأمر بالنسبة إلى جهات الإنتاج والعرض يمثل \”نجاحاً مضموناً\”، خصوصاً حينما يتم اقتباس عمل أثبت نجاحه وتميزه من قبل، مثل المسلسل الأميركي The Affair\”\” بطولة دومنيك واست ومورا تيرني، حيث ينتظر جمهور منصة شاهد خلال أسابيع النسخة المعربة منه، التي تحمل عنوان \”النزوة\”.

وبحسب مصادر من فريق العمل، فإن \”النزوة\” هو النسخة العربية من المسلسل الشهير الذي بدأ بثه في عام 2014 وحصد جوائز بارزة، بينها الكرة الذهبية كأفضل مسلسل درامي، ويتكون من خمسة أجزاء، والنسخة المنتظرة من بطولة خالد النبوي وعائشة بن أحمد وسالي شاهين، ومن إخراج أمير رمسيس، وقد تم العمل عليها بالاتفاق مع مبدعي القصة الأصلية، وتدور الأحداث حول مدرس ومؤلف متزوج ولديه أطفال يطمح إلى تحقيق ذاته مهنياً، يقابل في أثناء عيشه أزمة منتصف العمر نادلة شابة متزوجة ويقيم معها علاقة وتتطور الأحداث ليترك أسرته من أجلها.

نجاح مضمون

مهما كانت الدوافع، فالنتيجة الواضحة هي أن الاقتباس يغرق شاشات العالم العربي، فالجمهور مثلاً يتابع حالياً مسلسل \”الآنسة فرح\” لأسماء أبو اليزيد ورانيا يوسف، وتدور قصته حول الفتاة العذراء التي تجد نفسها فجأة على وشك أن ترزق بطفلها الأول، حيث تم تلقيحها صناعياً عن طريق الخطأ وتتوالى الأحداث في إطار كوميدي، وهو مأخوذ من المسلسل الأميركي الشهير \”Jane the virgin\”، الذي عرض عام 2014.

منصة شاهد أيضاً تحاول العمل بطريقة مغايرة في مسلسل \”روز وليلى\”، فبحسب بيان رسمي، فإن العمل من كتابة وإخراج طاقم غير عربي من الأساس، فهو من تأليف البريطاني كريس كول صاحب أعمال Mad Dogs\”\” وAna\”\” و\”\”Pelican Blood، ويخرجه البريطاني أدريان شيرجولد، ووصفت المنصة المسلسل الذي تدور أحداثه في إطار تشويقي حول محققتين تحاولان إيقاف محاولة احتيال مصرفي كبيرة بأنه أول دراما عربية تحمل أسماء عالمية في الكتابة والإخراج معاً.

كما أعلن الممثل حسام داغر، أنه بصدد العمل على مسلسل جديد مأخوذ من سلسلة \”دكتور دوليتيل\” الشهيرة، وبطلها طبيب بيطري لديه موهبة التحدث إلى الحيوانات.

المؤكد أن الاقتباس حالة قائمة منذ عشرات السنين، فالتأثر بالأعمال العالمية أمر يمكن ملاحظته في إنتاجات كبار صناع السينما منذ بدايتها عربياً، ولكن الثابت أيضاً أن نسبة الحكايات المقتبسة أصبحت في تزايد، فيما النقطة الأكثر أهمية هنا، أن تمصير أو تعريب أي عمل فني بشكل مشروع وبالاتفاق مع صناعه الأصليين يختلف تماماً حينما يتم السطو على إبداع الآخرين ونحت أفكارهم من دون إسناد الفضل لهم أدبياً ومادياً، وهي ظاهرة انتشرت بشدة كذلك.

حميدة أبو هميلة: اندبندنت عربية