\” الراعي\” رواية كشف المحجوب

\"\"

تنهض المنظومة السردية في رواية \”الراعي\”، للكاتبة حنان سليمان لتقدم للقارئ عالما محجوبا خلف المظاهر الخارجية للتدين الظاهري، فمن خلال استدعاء الكاتبة لبطلات يقعن في براثن تجار الدين، تنفتح الأحداث والأفكار على ما يدور في الحجرات المغلقة، وفي المحاضرات الدينية، من عملية غسل للعقول والقلوب.  وكيف يؤدي الجوع الفكري والعاطفي إلى مضي النساء في مسالك ضبابية مهلكة، وهن مقتنعات تمام القناعة بأن ما يقمن به من تقديم فروض الطاعة والولاء مرضاة لله، عبر الامتثال لأوامر شيوخه، فمن خلال الشيخ يكون طريق الوصل الإلهي، ثم يكتشفن متأخرات سراب هذا الوهم، وكم مضى من العمر وهن مخدوعات.

تدور الأحداث في مصر بشكل رئيسي، مع بعض الإحالات المكانية للمغرب، لكن محور السرد يرتكز داخل مدينة القاهرة. أما اسم \” الراعي\”، فيأتي من اسم الشيخ الذي شكل حوله رابطة من  المريدين المنتشرين في أكثر من بلد عربي، لكن يجمعهم عمل منظم بحيث يدينون فيه جميعا بالولاء للراعي، الذي يديرهم عبر شبكة الإنترنت؛ يتشكلون مثل خلايا منفصلة متصلة، يتلقون الأوامر التي ينبغي عليهم طاعتها بدون نقاش، ويتبادلون الخدمات والمعارف من بلد إلى آخر، فيبدون جميعا كأنهم تروس في آلة ضخمة، عليهم تنفيذ ما يقال لهم؛ مؤمنين أن \” الشيخ ما هو إلا صورة الله في الأرض وهو حارس باب رسول الله، توجه إليه في الشدائد فكل من دخل معه آمن يوم الفزع…ومن دخل في حمى الراعي بات في حصن وعناية لا تمسه شياطين الإنس والجن.\”

لس ثمة من هو آمن من هذا  الاستقطاب، إلا من تحصل بوعي كبير وثقافة تحميه من السقوط في براثن الأدعياء الجدد، فالاستقطاب  يحصل للطبقة البرجوازية، وللمثقفين والنخب الذين يحاول الراعي أن يرسل لهم دعوات، وأن يتوجه لهم عبر برامج التلفزيون، وأن ينفذ لأفكارهم بكل الطرق.

ثنائية الصراع

يتجلى في النص بشكل جوهري الصراع بين المرأة والرجل، من جانب استخدام الرجل- الشيخ، لأساليب للسيطرة على المرأة جسديا ونفسيا، والتحكم بها بزعم أنها \” ملك يمين\”، ثم التخلي عنها بسهولة، كما فعل الراعي مع أخته \” أم المساكين\”، التي حاولت التمرد على سلطته لكنها تفشل في مسعاها. أما فاتن فتصف علاقتها مع الشيخ رضوان قائلة: \” كل شيء كان مصطنعا، تماما مثل قناع مشيخته الزائف، ورابطته الفاسدة…مثله ألعبان عصي الفهم على الغافلات من محدودي الخبرات، لكن لابأس أن نتعلم من أجلك كيف نرد الصاع صاعين، فالحر بطبعه لا ينخدع طويلا\”.

تختلف كل بطلة عن الأخرى، وقد حرصت الكاتبة على اظهار المرأة في كل حالاتها، هي ليست ضحية دائمة، كما هي فاتن، التي عرفت كيف تنتقم عبر استخدام كل الأسلحة المتاحة لها، بينما اختارت وفاء التحرر من كل الأوهام التي غرقت بها، ناظرة من بعيد لكل التجربة القاسية التي مرت بهابحلوها مرها، هي الفتاة الفرنكوفونية التي كانت تتطلع لايجاد طريقها إلى الله ولارتحال روحي إذ بها تغوص في رمال متحركة تجرفها بعيدا، خلف مسميات مخادعة. هناك أيضا فضيلة التي مضت في طريق التكسب المادي عبر  الترويج لنفسها كداعية لها أتباع ومريدين. لنقرأ : \” استقر نظري على أول ما وقع عليه في الموقع، صورة لست الحبايب، ولم تكن سوى فضيلة. بدا حولها هيلمان، تخلت عن زهدها الظاهر، وتبدلت عباءتها البسيطة إلى عباءة فخمة من اللون نفسه مطعمة ببعض الحلي، وفي يدها حقيبة زاهية، يداها تزينتا بأساور ذهيبة ثقيلة الوزن، أسفل الصورة وضع ميثاق الصحبة وشروط الإنضمام، أولها ألا يسمع الصاحب إلا منها، فلا شيخة غيرها\”.

تطرق السرد في جزء منه إلى طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية بعد ثورات الربيع العربي، وانتشار تجار الدين سواء عبر القنوات الفضائية، أو عبر الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، وأثر شيوع فوضى الفتاوى سواء على الحياة الإجتماعية أو النفسية للمجتمعات العربية.

لغة الرواية، جاءت منسجمة مع المضمون، وثمة مراعاة لاختلاف اللغة مع تبدل الشخوص، خاصة في الجزء الأخير الذي مال لصيغة التحقيق الصحفي للكشف عن حقائق ما كان يحدث داخل \”ريحانة\”، وما يفعله شيوخها. استخدمت الكاتبة ضمير المتكلم مع بطلتيها \” وفاء\” و \” فاتن\”، والراوي العليم في الجزء الأخير الذي حمل عنوان \” السر وأخفى\”.

تظل ثمة ملاحظة بشأن صفحة البداية المعنونة  بـ \” أوراق الرابطة السليمية\”، ربما كان  من  الأكثر تعبيرا عن مضمون السرد إحالتها إلى الداخل، لا أن تكون في البداية كتصدير مباشر لأفكار النص، والبدء مع صوت وفاء وجملتها الافتتاحية الأولى \” ليتني مت قبل ذلك..\”، لتضمنها تشويقا واستدعاء للقارئ لمتابعة القراءة.

د.لنا عبد الرحمن