\”بودابار\” شخوص روائية تتلاطم في حيوات متقاطعة\”

\"\"

\”بودابار\” هي رواية عسيرة، لا يمكن أبدًا أن تخرج منها كما بدأتها. تخرج إما علامات البلاهة ترتسم على وجهك، تهمس بلعنات تنصب على كاتبها وعلى من رشحها لك، تتحسر على وقتك الضائع في قراءة هذا التفكك، أو تخرج محبوس الأنفاس، تعيس، تغمرك نوبة واضحة من الكآبة والحاجة المُلّحة للبكاء، وإن كنت مثلي تحب لبنان الذي \”عشاقك كتير وأحبابك قليلون\” فلا بد أن يجافيك النوم.

في رحلة لن أصفها أبدًا باللطيفة، لإنها أضنتني لأفهمها، وحين فهمتها أثقلت فؤادي، حملتني الكاتبة لنا عبد الرحمن إلى مجمع مساكن ديبة. حيث شخوص تتلاطم، حيوات تتقاطع، وحوادث ألغازها لا تنكشف أبدًا .. ذكرتني الحبكة بجملة دريدا الأثيرة : \”Il n\’y a pas d\’hors texte\”

أعتقد أننا فسرنا تلك الجملة التي مهد بها دريدا طريقه لمدرسة التفككية الأصعب على الفهم من بين المدارس الأدبية قاطبة، آلاف التفسيرات، وقليلًا منها ما قابل بالفعل مآرب دريدا. لكن على أي حال، منظوري البسيط رصد هذه الرواية في حالة تفكك بديعة، تشبه البازل، قطعه المتناثرة دون معنى منفردة، لكن اتحادهم له كل المعاني. أيمكنك أن تحضر قطعة من الخارج لتفهم القطع الأخرى؟ لا. ماذا لو دفعت بنفسك تفكر خارج سطور لنا؟ ربما تمنحك ثقافتك العربية لمحة عمّا تقصده، ربما ترصد بعض الرمزيات، لكن.. ستبقى رمزيات صماء في نظرك، إلى حين تُعيد قراءة النص جيدًا. ولا أقصد بالإعادة هنا التكرار، بل أعني أن تقرأ النص من منظورٍ مختلف، بطريقة مختلفة، ربما تمنحه الإريحية الكافية ليتنفس، فحين يمتلئ صدره بالهواء، ستظهر لك طبقاته المختلفة، مستوياته العديدة، منبسطة كريش الطاووس، تدعوك هاتفة: ها أنا ذا.

اللذيذ في قراءتي لبودا بار، أنني وجدت في كل مستوى من مستويات القراءة متعة. حين اعتبرتها قصة اجتماعية، استمتعت بحكايا الناس وأخبارهم عن أهوال الحرب، وتبدل رقعة البلاد، وخريطة مستقبلها. ولما قرأتها كرواية رومانسية، قرأت مجموعة من القصص المميزة، الدافئة، الدرامية، التي تجرح قلبك جرح لذيذ، لا تريده أن يندمل، ولا تتمنى أن يتكرر. إذ تعمقت في نفوس الشخوص، كان كل شخص يذكرني بصديق، أو قريب، أو حتى إنسان عابر في حياتي. وأخيرًا عندما قرأتها رواية چمانة.. وفحصت جيدًا ووازنت طويلًا لماذا چمانة؟ وصلني رسالة أخرى.. خفية.. بعيدة.. رغم كونها جلية تمامًا أمام ناظري. وأحسست حينها بعذوبة أن تقرأ عمل هو في ظاهره سهل، وفي باطنه ممتنع عصي على الفهم الصواب.

خميلة الجندي