دار أزهى للنشر

في رواية “ثلج القاهرة” تناسخ الأقدار والأسئلة

 

 

” نحن لا نملك مفاتيح أقدارنا.بل نمسك بأيدينا نسخاً وهميّة من خرائط نظنّ أنّها ستقودنا إلى الدرب الصحيح.وبعد أعوامٍ كثيرة تضيع هباءً، ندرك أنّنا كنا نمشي في عكس الاتجاه، وأنّ السعادة أو التعاسة محض هبة ليس للعالم الخارجي علاقة بها”

تطرح رواية “ثلج القاهرة” فكرة تناسخ الأرواح عبر الزمن، في رحلة مع ثلاث سيدات ( نورجهان، بشرى، سولاي) بثلاث حقباتٍ زمنية متباعدة وروح واحدة،تختلف مصائرهم ويجمعهم الألم في طريقهم للبحث عن مفاتيحهم الضائعة للسعادة. تنفتن بشرى المفتونة بحياة الأميرة المصرية نورجهان التي عاشت منذ مائة عام تقريبا بين القاهرة وأسطنبول، نحن هنا بإزاء فكرة الاستنساخ، من ثم تصبح تيمة الاستنساخ ذاتها مبرراً لإثارة أسئلة عميقة عن الحيوات السابقة وماضي الشخصيات وحاضرها، والأهم ذكرياتها، مع حضور جملة أساسية تقولها بشرى: “ما فائدة التذكر إذا كنا عاجزين عن الفعل؟”

تبدأ الرواية مع جملة مأخوذة من إخوان الصفا تقول ” الكون إنسان كبير”، ومن هذه الجملة المفتاحية تمضي بشرى في رحلة بحث عن ذاتها، بعد فقدانها لأبيها ثم أمها،وانفصالها عن زوجٍ يحكمه الخوف من الغد،لا يملك أن يمنحها سوى حبّ مشروط بحرمانها من حلم أمومتها.

تتنوع الأماكن بين القاهرة ودمشق وأسطنبول التي يبدو حضورها فقط من خلال ذاكرة نورجهان،وتحضر العديد من من الأسئلة الفلسفية تتخللها مسحة صوفية عن الموت والحياة التي دائمًا ما يفسدها التشبث الزائد بالماضي، مثلما أفسد حياة الأم ” نبيلة” من قبل.

تلك أسئلة لا يملك أحد منا الإجابات النموذجية لها، والتي لطالما رأتها بشرى حارقة مثل ماء الكلور المركز الذي شربته وهي طفلة. لنقرأ : ” تتشابه حياتي مع تفاصيل حياتها نمضي في روح واحدة عبر أكثر من جسد لنشكل ذاكرات تتراكم فوق بعضها مثل الجماجم الميتة خرساء وصامتة تراقب عن كثب كل ما يدور حولها وتسبب الخوف لمن يحدق في فجوات العيون”

غير أن الأقدار-في ترتيبٍ إلهيٍّ محكم-ترسل لها صديقًا يصبح لها كالشيخ المريد،يفتح صافي لبشرى  الكثير من الأبواب المغلقة لتدلف منها إلى أولى خطواتها للتعافي من الماضي وفهم الكثير مما كان غائبًا عنها، لذا تبدو الحوارات والرسائل المتبادلة بين بشرى وصافي من أكثر الفقرات اضاءة على جوهر العمل.

وإذا ما اعتبرنا فكرة تناسخ الأرواح محض خيال،فمن يستطيع أن ينكر حقيقة تناسخ الأقدار؟

غير أنه في النهاية يظل لكل منا إجابته االخاصة. بشرى،نورجهان،سولاي ونحن،جميعنا نتعرض لذات الاختبارات وذات الأسئلة المتكررة عبر الأزمنة،غير أنه بالنهاية،

وإذا ما رأت بشرى أن القاهرة تحتاج إلى ثلجٍ يغطيها ليوازن الأشياء ويذيب طبقات السواد التي تغطي أرض المدينة؛فما أحوجنا جميعنا إلى هذا الثلج الذي يغطي فقط من يتوقف عن محاربة أقداره، ثم يرضى بها تمام الرضا.

، لنقرأ : ” “فكرت بشرى أن الناس تغلي في قدر كبير، على نار هادئة، وتحت شمس عنيدة، يذوبون على مهل، من دون مقاومة. القاهرة تحتاج إلى ثلج يغطيها تماما، ثلج يوازن الأشياء لتعود إلى طبيعتها، ثلج يخفف من حرارة الناس، يذيب طبقات السواد التي تغطي أرض المدينة، ليحل مكانها لون أبيض ناصع، وتخرج من شقوق الثلج قاهرة يافعة ببرعم أخضر نقي يقاوم طبقات الشحم التي سدت مكان خروجه”. “

جدير بالذكر أن رواية ” ثلج القاهرة ” صدرت في طبعة جديدة عن ( وكالة الصحافة العربية – ناشرون ) بالقاهرة ، ويمكن الاطلاع على نسخة الكترونية أو مطبوعة منها

Shopping cart close