محنة المقال في عصر الميديا

\"\"

في رأيى أن الرواية والشعر والقصة والكتاب عموما ابداعات فكرية عصية – نسبيا- على الاندثار ،أما المقال ( في رأيى أيضا ) هو  منتج فكري سريع الذوبان وخصوصا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعس ، وقد اختطفني المقال  من الشعر والقصة وندمت كثيرا     ولكنه (أى المقال ) في المقابل أشبع رغبتى في  ظهور آرائى وتحليلاتى منشورة بسرعه وفي منابر متعدده عكس التحضيرات الممله في نشر المطبوعات والتي قد تستغرق شهورا وربما سنوات .

والمقال كفن أصيل من أقدم فنون الابداع الفكرى – إن لم يكن أقدمها – له مقوماته وله  أنماطه ، ومن مقومات المقال الجيد  وحدة الموضوع ووضوح الهدف منه وسلاسة اللغه وانسياب الافكار وترابطها وعدم التكلف واحترام حق القارئ في معلومه مدققة وموثقة .

ومن أنواعه مقال الرأى ومقال التحليل والمقال النقدى والمقال الأكاديمى، وعدا الأخير الذى ينشر في دوريات محكمة ومنظمة يظل  المقال كما أسلفنا منتج سريع الذوبان  خصوصا المقال الذى يتفاعل مع أحداث جارية.

ولكى تكتب مقالا يحظى بقبول قارئ ويشجع على قراءته ينبغى الالتزام بمجموعة من القواعد منها الانفعال بالموضوع أو الحدث والتفاعل معه والالمام بإحداثياته مع احترام قواعد اللغة وعدم الضغط على المفردات وانتظار نضج الاحداث وعدم الاسهاب الممل . وكما أن المقال سريع الاندثار فهو سريع الانتشار أيضا والرأى العام يتأثر أسرع بمقال يواكب الاحداث أسرع من كتاب سيصدر بعد حين وخصوصا إذا كان الكاتب موهوب ومفكر مبدع .

ومع سيطرة الميديا وانهيار الصحف المطبوعة وانحسار جيل قراء المقال الطويل أصبح قراءة مقال شئيا نادرا، حيث الايقاع السريع واختطاف العناوين للتسليه وقتل الوقت هو السائد الآن . ومن توابع زلزال الميديا توقفت مطبوعات ومنابر ثقافيه عريقه كان المقال والرعيل الاول من كتابه هم قادة الرأي والمحركون الأول للتفاعلات الثقافية والسياسية والاصلاحية في مجتمعاتنا .وقد كانت الريادة بلا منازع للمفكرين الشوام، الذين أسسوا المنابر الأولى في نهايات القرن التاسع عشر والتى كانت تعتمد في انتشارها الاعتماد الرئيس على المقال .

نعود الى مايشي به العنوان وهو محنة المقال في عصر الميديا  ، فهؤلاء الشباب على تلك المنصات هم جيل جديد مختلف لم يعد الاسهاب في التأمل والتحليل والفحص والتمحيص هو مايستهويهم، ومن ثم استحدثوا  انماط  جديدة تناسب ايقاعاتهم السريعه في كل مناحى الحياه ، وبالأخص بعد أن أصبح الكوكب كله قرية صغيرة وتفككت أو تفتتت بفعل العولمة وانفتاح المجال الكونى أفكار الشعوبية والقومية والعرقية .

وبعكس المنابر المطبوعة والتى كان يمكن حفظها على رفوف مكتبه وتأجيل قراءة مقال أو جزء منه لليوم التالي كقراءة متأنية أصبح الشباب أسرى لشاشات الهواتف المحمولة ولا مكان لقراءة صحيفة أو كتاب.

ولا زلت أذكر حجم المعاناه التى عانيتها في البحث عن منبر لنشر أفكارى في بدايات هذا القرن ، الآن يستطيع أى عابر سبيل أن ينشر مايريد وقتما يريد وكيفما يريد، يكفي إنشاء صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعى وينشر أو يذيع ما يعن له من أفكار دون رقيب أو حسيب ، وبعد أن كان المقال الرصين يقود ويصلح ويقوم السلوك الانسانى انجذب جمهور غفير وراء ترهات وسفاهات وأحيانا سفالات .وإن كان لاينبغى التعميم، فهناك ايجابيات لهذه التكنولوجيا إلا أننا في هذا الطرح نناقش تأثيرها على المقال المقال الذى أصبح ( في رأيي ) في محنة .

     عيد اسطفانوس