صدر حديثا عن \”وكالة الصحافة العربية – ناشرون\” كتاب \”حياة بين الرفوف\” للقاص والناقد \”أحمد رجب شلتوت\”. والكتاب ينتمي لطائفة الكتب المحرِّضة، الداعية للقراءة والمحفزة عليها، فبحسب العنوان، يحيا الكاتب بين رفوف مكتبته، ويستدعي مقولة للمفكر والروائي العالمي \”إمبرتو إيكو\” التي تؤكد أهمية القراءة، وأن من لا يقرأ يعيش حياة واحدة حتى لو اجتاز السبعين، أما من يقرأ يعيشُ خمسة آلاف عام، فالقراءة أبدية أزلية.
فالكتب التي نقرأها تصير جزءاً من تجاربنا الشخصية، فكأننا عشناها في حياتنا، هكذا عاش المؤلف حيوات عدة متقافزا بين رفوف المكتبة، فالكتاب لم يعد صديقا فقط كما القول الشائع، بل معادلا لذات الكاتب الذي عاش حياته بين الرفوف، فالكتب لم تسهم فقط في تشكيل حياته بل كانت هي الحياة نفسها.
وبحسب كلمة الغلاف فقد توزعت الكتب التي قرأها شلتوت بين الأدب والفكر، وبين المؤلف باللغة العربية والمترجم إليها، كما نشر خلال أربعة عقود مئات المراجعات عن الكتب التي راقت له، اختار من بينها ثلاثين مراجعة يضمها هذا الكتاب، وهي بحسب عنوان كتاب سابق للكاتب \”رشفات من النهر\”، لذلك استهلها بمراجعة لكتاب \”مغزى القراءة\” للكاتب الهولندي \”بيتر شتاينس\” الذي أصيب بمرض نادر يؤدي إلى موت المصاب به خلال فترة ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، فاختار عددا من الكتب وأعاد قراءتها ونشر مراجعاته لها، التي لم تكن مجرد سردا مؤثرا لوقائع الاقتراب من موت متوقع. ليثبت من أنَّ الكتابةَ عن الأدب مُعزِّيةٌ للغاية.
كذلك يعرض لكتاب \”زيارة لمكتبات العالم\”، للإسباني \”خورخي كاريون\” الذي ينظر إلى المكتبة باعتبارها خريطة بداخلها جو متميز من الحرية، يتباطأ فيها الزمن، وتصبح السياحة نوعاً مختلفاً من القراءة. ويصبح \”العالم مكتبة والمكتبة عالم\”، لذلك يتوقف الكاتب أمام كتاب إدواردو جاليانو عن كرة القدم، وكتاب المفكرة البريطانية \”كاثرين بيليسي\” عن \”الثقافة والواقع .. نحو نظرية للنقد الثقافي\”، وكتاب \”الصوت والصدى\” الذي يعتبره رؤية مغايرة لمشروع عبدالرحمن بدوي الفلسفي، وكتاب \”الكرامة الصوفية\” التي يعالجها بوصفها نصا أدبيا.
وتحظى الرواية ومبدعوها بنصيب كبير في الكتاب، فيقدم عبر ثلاثة رؤى مختلفة لإبداع نجيب محفوظ بأقلام ممدوح النابي، رضا عطية، تامر فايز، ويعرض لكتب أخرى عن إدوار الخراط، عبدالرحمن منيف، فضلا عن كتب تدرس ظواهر وقضايا روائية عربية ومنها \”تأويل المتخيل: السرد والأنساق الثقافية\”، للباحث الجزائري \”عبدالقادر فيدوح\”، وكتاب “أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة” للناقد المغربي\”الكبير الداديسي\”.
وعن الشعر يجمع بين كتاب عن الفرنسي بول فيرلين، وآخر عن المصري محمد آدم، وكتاب الناقدة العراقية \”نادية هناوي سعدون\” تنظر فيه لقصيدة النثر بوصفها تعافيا إبداعيا وليست تمارضا شعريا، أما الشاعر مؤمن سمير ففي كتابه “الأصابع البيضاء للجحيم.. قراءات في محبة الشعر” يستعيد فيه سير الآباء، وهو كشاعر لا يتناولهم بالتحليل بقدر ما يرسم صورتهم عنده ويرصد تأثيراتهم فيه، وبعد الحديث الحميمي عن الآباء المؤسسين، يخصص مؤمن سمير نحو ثلاثة أرباع كتابه للحديث عن الآباء التالين لهم، ثم عن إخوته شعراء قصيدة النثر من نفس جيله، وبالرغم من أنه يرفض المفهوم الجيلي في الشعر المصري، لأنه يجمع بين شعراء قد يكونون على النقيض في الانتماء الفني والعقيدة الشعرية، إلا أنه يصف جيل السبعينات في مصر بأنه “الجيل الفارق والإشكالي والذي لولاه لكان آباؤنا هم الشعراء الذين ظهروا في مرحلة ما بعد الشعراء الرواد والذين لم تضف قصيدتهم إلا إعادة إنتاج نصوص سابقيهم والدوران في فَلَكِها”.
وأحمد رجب شلتوت ناقد وقاص وروائي ويعد كتاب \” حياة بين الرفوف\” الكتاب الثاني عشر في قائمة مؤلفات أحمد رجب شلتوت ، فقد سبقه عدد من الأعمال الإبداعية منها في القصة القصيرة \”العائد إلى فرحانة\”، و\” دم العصفور\”، و\” فاتحة لصاحب المقام\”، وفي الرواية \”حالة شجن\”، و\”زوال\”، وفي النقد \”الرواية فن البحث عن الإٌنسان\”، \”ربيع البنفسج.. الرواية والربيع العربي\”، رشفات من النهر، العزلة ليست هي الوحدة.
خالد حماد
جريدة \”الدستور\”